فصل: فَصْلٌ: (فِي الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏الِاسْتِثْنَاءِ في الطلاق‏]‏

المتن‏:‏

يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ، وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ‏.‏ قُلْت‏:‏ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ‏(‏يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ‏)‏ لِوُقُوعِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ الْإِخْرَاجُ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا، وَالْأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ كَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا، وَالثَّانِي الْمُنْقَطِعُ كَعِنْدِي ثَوْبٌ إلَّا دِرْهَمًا، وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا وَإِطْلَاقُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ مَجَازٌ‏.‏ ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ‏:‏ ضَرْبٌ يَرْفَعُ الْعَدَدَ لَا أَصْلَ الطَّلَاقِ كَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَضَرْبٌ يَرْفَعُ أَصْلَ الطَّلَاقِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ، وَهَذَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً شَرْعِيًّا، لِاشْتِهَارِهِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ‏.‏ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ‏:‏ وَسُمِّيَتْ كَلِمَةُ الْمَشِيئَةِ اسْتِثْنَاءً لِصَرْفِهَا الْكَلَامَ عَنْ الْجَزَاءِ وَالثُّبُوتِ حَالًا مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ مُبْتَدِئًا بِشُرُوطِهِ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ‏)‏ أَيْ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عُرْفًا بِحَيْثُ يُعَدُّ كَلَامًا وَاحِدًا ‏(‏وَلَا يَضُرُّ‏)‏ فِي الِاتِّصَالِ ‏(‏سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ‏)‏ أَوْ تَذَكُّرٍ أَوْ انْقِطَاعِ صَوْتٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ فَاصِلًا بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ يَسِيرًا، وَالِاتِّصَالُ هُنَا أَبْلَغُ مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، إذْ يُحْتَمَلُ بَيْنَ كَلَامِ اثْنَيْنِ مَا لَا يُحْتَمَلُ بَيْنَ كَلَامِ وَاحِدٍ ‏(‏قُلْت‏:‏ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ‏)‏ فَلَا يَكْفِي التَّلَفُّظُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ ‏(‏قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ‏)‏ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِتَمَامِهَا، وَهَذَا صَادِقٌ بِأَنْ يَنْوِيَهُ أَوَّلَهَا أَوْ آخِرَهَا أَوْ مَا بَيْنَهُمَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ فَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا يَكْفِي بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَالثَّانِي يَكْفِي بَعْدَهُ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَفَى لَزِمَ عَلَيْهِ رَفْعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا التَّلَفُّظُ بِالِاسْتِثْنَاءِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ عِنْدَ اعْتِدَالِ سَمْعِهِ، فَلَا يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَهُ بِقَلْبِهِ وَلَا أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ ظَاهِرًا قَطْعًا وَلَا يُدَيَّنُ عَلَى الْمَشْهُورِ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ‏)‏ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَالْمُسْتَغْرَقُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَطَلُقَتْ ثَلَاثًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِصِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ‏:‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا يَرِدُ عَلَى بُطْلَانِ الْمُسْتَغْرَقِ صِحَّةُ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ رَفَعَتْ الْمَشِيئَةُ جَمِيعَ مَا أَوْقَعَهُ الْحَالِفُ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُسْتَغْرَقِ لِأَنَّ هَذَا خَرَجَ بِالنَّصِّ فَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَيَصِحُّ تَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنْتِ إلَّا وَاحِدَةٌ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَا يُجْمَعُ الْمَعْطُوفُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لِإِسْقَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ، وَلَا فِي الْمُسْتَثْنَى لِإِثْبَاتِهِ وَلَا فِيهِمَا كَذَلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، أَوْ اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ ثِنْتَانِ وَهُوَ مِنْ نَفْيٍ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ، فَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً فَثِنْتَانِ، أَوْ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَثِنْتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ طَلْقَةٌ، أَوْ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا فَثِنْتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ أَوْ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ عَلَى هَذَا ‏(‏لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ‏)‏ تَقَعُ وَيَلْغُو مَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ، وَهُوَ وَاحِدَةٌ الْمَعْطُوفَةُ عَلَى ثِنْتَيْنِ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَمْعِ الْعَدَدِ الْمَعْطُوفِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏‏:‏ يَقَعُ ‏(‏ثَلَاثٌ‏)‏ بِنَاءً عَلَى جَمْعِ الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ مُسْتَغْرَقًا فَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏اثْنَتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ‏)‏ تَقَعُ وَيَلْغُو اسْتِثْنَاءُ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْوَاحِدَةِ لِاسْتِغْرَاقِهِ ‏(‏وَقِيلَ ثِنْتَانِ‏)‏ بِنَاءً عَلَى جَمْعِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ مُسْتَثْنًى مِنْ الثَّلَاثِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ بِالْمِثَالِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى، وَبِالْمِثَالِ الثَّانِي لِعَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَسَكَتَ عَنْ عَدَمِ الْعَطْفِ فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَعًا كَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَطَلْقَةً إلَّا طَلْقَةً وَطَلْقَةً فَيَقَعُ ثِنْتَانِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ قَالَ‏:‏ وَمَا فَرَّقَ لَا يَجْمَعُ كَانَ أَعَمَّ لِشُمُولِهِ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِجَوَازِ الْجَمْعِ هُنَا، إذْ لَا اسْتِغْرَاقَ، هَذَا إنْ اتَّفَقَتْ حُرُوفُ الْعَطْفِ، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثُمَّ وَاحِدَةً بَلْ وَاحِدَةٌ لَا وَاحِدَةٌ وَقَعَ ثَلَاثٌ جَزْمًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى وَاحِدَةً مِنْ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ فَلَا يُجْمَعُ، وَإِنْ قِيلَ بِالْجَمْعِ فِي غَيْرِ هَذِهِ لِتَغَايُرِ الْأَلْفَاظِ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ اسْتَثْنَى ثَلَاثَةً مِنْ ثَلَاثَةٍ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ ثَلَاثٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِاسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدَةِ مِمَّا قَبْلَهَا ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ ‏(‏مِنْ نَفْيٍ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ‏)‏ أَيْ مِنْ إثْبَاتٍ نَفْيٌ ‏(‏فَلَوْ قَالَ‏)‏‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً فَثِنْتَانِ‏)‏ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى الثَّانِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى فِي الْحَقِيقَةِ وَاحِدَةً ‏(‏أَوْ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَثِنْتَانِ‏)‏ لِمَا ذُكِرَ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ ثَلَاثٌ‏)‏ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ مُسْتَغْرَقٌ فَيَلْغُو‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ فَيَلْغُو أَيْضًا ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ طَلْقَةٌ‏)‏ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ فَيَعُودُ إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ، إذْ الْمَعْنَى إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ عَنْ الِاسْتِغْرَاقِ فَكَأَنَّهُ اسْتَثْنَى طَلْقَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً؛ وَثَلَاثٌ إلَّا وَاحِدَةً ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ وَقَعَ طَلْقَةٌ إلْغَاءً لِلِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي فَقَطْ لِحُصُولِ الِاسْتِغْرَاقِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ إلْغَاءِ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي، وَقِيلَ‏:‏ ثِنْتَانِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ وَاحِدَةٌ، إذْ الْمَعْنَى إلَّا ثَلَاثًا لَا تَقَعُ إلَّا ثِنْتَيْنِ تَقَعَانِ إلَّا وَاحِدَةً لَا تَقَعُ فَيَبْقَى وَاحِدَةٌ وَاقِعَةٌ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَلْفُوظِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ‏:‏ مِنْ الْمَمْلُوكِ؛ وَفَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا فَثِنْتَانِ‏)‏ يَقَعَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَلْفُوظِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ فَيُتَّبَعُ فِيهِ مُوجِبُ اللَّفْظِ ‏(‏وَقِيلَ ثَلَاثٌ‏)‏ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ لَغْوٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي اسْتِثْنَاءِ طَلْقَةٍ فَأَكْثَرَ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى اسْتِثْنَاءِ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ‏)‏ تَقَعُ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى بَعْضَ طَلْقَةٍ بَقِيَ بَعْضُهَا، وَمَتَى بَقِيَ كَمُلَتْ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَقَعُ ثِنْتَانِ وَيُجْعَلُ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ، وَرُدَّ بِأَنَّ التَّكْمِيلَ إنَّمَا يَكُونُ فِي طَرَفِ الْإِيقَاعِ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

صَوَّرَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِثْنَاءَ بِنِصْفِ طَلْقَةٍ يَخْرُجُ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفًا فَإِنَّهُ يُرَاجَعُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْبُوشَنْجِيِّ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت نِصْفَهَا فَثِنْتَانِ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ أَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى نِصْفِ الْجَمِيعِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا‏.‏ قَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ‏:‏ الْقِيَاسُ وُقُوعُ طَلْقَةٍ ا هـ‏.‏ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ طَلْقَةً وَنِصْفًا طَلْقَتَانِ‏.‏ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ طَلْقَةً وَنِصْفًا فَبَقِيَ نِصْفُ طَلْقَةٍ فَتُكَمَّلُ، وَهَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِمَّا أَوْقَعَ لَا مِمَّا وَقَعَ، وَأَيْضًا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ كَمَا مَرَّ، فَقَوْلُهُ‏:‏ طَلْقَةً وَنِصْفًا إلَّا طَلْقَةً وَنِصْفًا يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ لِلْأَخْيَرِ، وَهُوَ النِّصْفُ فَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ فَيَلْغُو وَيَقَعُ طَلْقَتَانِ‏.‏ ‏(‏فُرُوعٌ‏)‏ لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ بَائِنٌ إلَّا بَائِنًا أَوْ إلَّا طَالِقًا وَنَوَى بِأَنْتِ بَائِنٌ الثَّلَاثَ وَقَعَ طَلْقَتَانِ اعْتِبَارًا بِنِيَّتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ بِالثَّلَاثِ وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي مَعْنَاهُ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا طَالِقًا وَنَوَى بِأَنْتِ طَالِقٌ الثَّلَاثَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَقَلَّهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَقَعَ ثَلَاثٌ قَالَهُ فِي الِاسْتِقْصَاءِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الطَّلَاقِ بَعْضُ طَلْقَةٍ فَتَبْقَى طَلْقَتَانِ وَالْبَعْضُ الْبَاقِي فَيَكْمُلُ، لَكِنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ أَقَلَّهُ طَلْقَةٌ فَتَطْلُقُ طَلْقَتَيْنِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا أَوْ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ لَا بِإِسْكَانِ الْوَاوِ فِيهَا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ لَا إيقَاعٌ، فَكَانَ كَقَوْلِهِ هَلْ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ فَتَطْلُقَ، وَلَا يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ لَا، فَإِنْ شَدَّدَ الْوَاوَ وَهُوَ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا تَقَعُ عَلَيْك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا طَلُقَتْ طَلْقَةً لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَأَرَادَ رَفْعَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالطَّلَاقُ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَقَوْلُنَا بِالْكُلِّيَّةِ احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّهُ رَفَعَهُ، فِي الْحَالِ لَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ‏:‏ أَرْبَعُكُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةُ أَوْ إلَّا وَاحِدَةً طُلِّقْنَ جَمِيعًا، وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ لَيْسَتْ صِيغَةَ عُمُومٍ، وَإِنَّمَا هِيَ اسْمٌ خَاصٌّ فَقَوْلُهُ إلَّا فُلَانَةَ رَفْعٌ لِلطَّلَاقِ عَنْهَا بَعْدَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهَا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا لَا يَقَعُ عَلَيْكِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْأَعْدَادِ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَصِحُّ مِنْهَا وَإِنْ صَرَّحَ بِاسْمِ الْعَدَدِ كَقَوْلِهِ‏:‏ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لَكِ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَقْوَى مِنْ الْإِخْبَارِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أَرْبَعَتُكُنَّ إلَّا فُلَانَةَ طَوَالِقُ فَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فِي هَذِهِ وَقَعَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَا تَنَاقُضَ بِخِلَافِ الْأُولَى، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْمُسْتَثْنَى وَتَأَخُّرِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ وَعِتْقٍ وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَكُلِّ تَصَرُّفٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الضَّرْبِ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ، فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏)‏ طَلَاقَك ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ‏)‏ طَلَاقَك ‏(‏وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ‏)‏ بِالْمَشِيئَةِ فِي الْأَوَّلِ وَبِعَدَمِهَا فِي الثَّانِي قَبْلَ فَرَاغِ الطَّلَاقِ ‏(‏لَمْ يَقَعْ‏)‏ أَيْ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ عَدَمِهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوعَ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمَشِيئَةِ التَّعْلِيقَ بِأَنْ سَبَقَتْ إلَى لِسَانِهِ لِتَعَوُّدِهِ بِهَا كَمَا هُوَ الْأَدَبُ أَوْ قَصَدَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّلَاقِ أَوْ قَصَدَ بِهَا التَّبَرُّكَ أَوْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ أَوْ لَا وَقَعَ، وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ مُنْتَظِمٌ وَأَنَّهُ يَقَعُ مَعَهُ الطَّلَاقُ وَقَدْ لَا يَقَعُ كَمَا تَقَرَّرَ، وَكَالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ فِي اعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَاقْتِرَانِ الْقَصْدِ ‏(‏وَكَذَا يَمْنَعُ‏)‏ التَّعْلِيقُ بِالْمَشِيئَةِ انْعِقَادَ نِيَّةِ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَغَيْرِهَا عِنْدَ قَصْدِ التَّعْلِيقِ وَ ‏(‏انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ‏)‏ كَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ يَمْنَعُ الطَّلَاقَ الْمُنَجَّزَ فَالْمُعَلَّقُ أَوْلَى ‏(‏وَ‏)‏ انْعِقَادَ ‏(‏عِتْقٍ‏)‏ مُنَجَّزٍ أَوْ مُعَلَّقٍ كَأَنْتِ حُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ ‏(‏وَ‏)‏ انْعِقَادَ ‏(‏يَمِينٍ‏)‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ‏(‏وَ‏)‏ انْعِقَادَ ‏(‏نَذْرٍ‏)‏ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ‏(‏وَ‏)‏ انْعِقَادَ ‏(‏كُلٍّ تَصَرُّفٍ‏)‏ غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا حَقُّهُ الْجَزْمُ كَبَيْعٍ وَإِقْرَارٍ وَإِجَارَةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَقْدِيمُ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِهِ كَتَأْخِيرِهِ عَنْهَا، كَقَوْلِهِ‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ فَتَحَ هَمْزَةَ إنْ أَوْ أَبْدَلَهَا بِإِذْ، أَوْ مَا‏:‏ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَوْ إذْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ طَلْقَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لِلتَّعْلِيلِ، وَالْوَاحِدَةُ هِيَ الْيَقِينُ فِي الثَّالِثِ، وَسَوَاءٌ فِي الْأَوَّلِ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِتَصْحِيحِهِ هُنَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏)‏ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ ‏(‏وَقَعَ‏)‏ طَلْقَةٌ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ نَظَرًا لِصُورَةِ النِّدَاءِ الْمُشْعِرِ بِحُصُولِ الطَّلَاقِ حَالَتَهُ، وَالْحَاصِلُ لَا يُعَلَّقُ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَدْ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْقُرْبِ مِنْهُ وَتَوَقُّعِ الْحُصُولِ كَمَا يُقَالُ لِلْقَرِيبِ مِنْ الْوُصُولِ أَنْتَ وَاصِلٌ، وَلِلْمَرِيضِ الْمُتَوَقَّعُ شِفَاؤُهُ قَرِيبًا أَنْتَ صَحِيحٌ فَيَنْتَظِمُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي مِثْلِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الطَّلَاقِ خَاصَّةً، وَيُحَدُّ بِقَوْلِهِ‏:‏ يَا زَانِيَةُ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ يَا طَالِقُ فِي الْأَوَّلِ، وَلَا يَا زَانِيَةُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْمُخَاطَبَةِ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا حَفْصَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَاصِدًا التَّوْكِيدِ لَمْ تَطْلُقْ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏)‏ طَلَاقَك ‏(‏فَلَا‏)‏ يَقَعُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَدَمَ تَطْلِيقِك فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهَا، وَالثَّانِي‏:‏ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ وَجَعَلَ الْمُخَلِّصَ عَنْهُ الْمَشِيئَةَ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فَلَا يَحْصُلُ الْخَلَاصُ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً لِاخْتِصَاصِ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ بِالْأَخِيرِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرَقِ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَوَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا كَذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تَطْلُقْ لِعَوْدِ الْمَشِيئَةِ إلَى الْجَمِيعِ لِحَذْفِ الْعَاطِفِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ حَفْصَةُ طَالِقٌ وَعَمْرَةُ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَنْوِ عَوْدَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاطِفَيْنِ طَلُقَتْ حَفْصَةُ دُونَ عَمْرَةَ لِمَا مَرَّ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ طَالِقَانِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ جُنَّ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لَمْ تَطْلُقْ لِعَدَمِ الْمَشِيئَةِ، وَإِنْ خَرَسَ فَأَشَارَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ بَيَانِ الْمَشِيئَةِ مِنْ أَهْلِ الْإِشَارَةِ وَالِاعْتِبَارُ بِحَالِ الْبَيَانِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَ التَّعْلِيقِ أَخْرَسَ، ثُمَّ نَطَقَ كَانَتْ مَشِيئَتُهُ بِالنُّطْقِ، وَلَوْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ الْمَلَائِكَةِ لَمْ تَطْلُقْ، إذْ لَهُمْ مَشِيئَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ حُصُولَهَا، وَكَذَا إنْ عَلَّقَ بِمَشِيئَةِ بَهِيمَةٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُسْتَحِيلٍ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ، وَلَمْ تُوجَدْ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَيَاةِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ أَوْ قُبَيْلَ جُنُونٍ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَشِيئَةِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ مَاتَ زَيْدٌ وَشَكَّ فِي مَشِيئَتِهِ لَمْ تَطْلُقْ لِلشَّكِّ فِي الصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ الْيَوْمَ وَلَمْ يَشَأْ فِيهِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ هُنَا كَالْعُمْرِ فِيمَا مَرَّ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ‏]‏

المتن‏:‏

شَكَّ فِي طَلَاقٍ فَلَا، أَوْ فِي عَدَدٍ فَالْأَقَلُّ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ‏:‏ شَكٌّ فِي أَصْلِهِ، وَشَكٌّ فِي عَدَدِهِ، وَشَكٌّ فِي مَحَلِّهِ وَهَذَا كَمَنْ طَلَّقَ مُعَيَّنَةً ثُمَّ نَسِيَهَا، إذَا ‏(‏شَكَّ‏)‏ أَيْ تَرَدَّدَ بِرُجْحَانٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏فِي‏)‏ وُقُوعِ ‏(‏طَلَاقٍ‏)‏ مِنْهُ أَوْ فِي وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ بِهَا، كَقَوْلِهِ‏:‏ إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَشَكَّ هَلْ كَانَ غُرَابًا أَوْ لَا ‏(‏فَلَا‏)‏ نَحْكُمُ بِوُقُوعِهِ‏.‏ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ ‏(‏أَوْ‏)‏ لَمْ يَشُكَّ فِي طَلَاقٍ بَلْ تَحَقَّقَ وُقُوعَهُ، وَلَكِنْ شَكَّ ‏(‏فِي عَدَدٍ‏)‏ مِنْهُ، هَلْ طَلَّقَ طَلْقَةً أَوْ أَكْثَرَ‏؟‏ ‏(‏فَالْأَقَلُّ‏)‏ يَأْخُذُ بِهِ ‏(‏وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ‏)‏ فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِالْأَسْوَأِ لِخَبَرِ ‏{‏دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ‏}‏ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، فَفِي الْأُولَى يُرَاجِعُ إنْ كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَإِلَّا فَيُجَدِّدُ نِكَاحَهَا إنْ كَانَ لَهُ فِيهَا رَغْبَةٌ، وَإِلَّا فَلْيُنَجِّزْ طَلَاقَهَا لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا، وَفِي الثَّانِيَةِ إنْ شَكَّ فِي أَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمْ ثِنْتَيْنِ لَمْ يَنْكِحْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ شَيْئًا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ لِتَحِلَّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا ا هـ‏.‏ وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ يَقِينًا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ أَوْقَعَهُ وَلَوْ طَلْقَةً، نَعَمْ فَائِدَةُ إيقَاعِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا وَتَطْلِيقِهِ إيَّاهَا عَلَيْهَا الثَّلَاثُ بِيَقِينٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ، فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَزِمَهُ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ، وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ جَهِلَهَا وُقِفَ حَتَّى يَذَّكَّرَ، وَلَا يُطَالَبُ بِبَيَانٍ إنْ صَدَّقَتَاهُ فِي الْجَهْلِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ عَلَّقَ اثْنَانِ بِنَقِيضِينَ كَأَنْ ‏(‏قَالَ‏:‏ إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا‏)‏ مَثَلًا ‏(‏فَأَنْتِ طَالِقٌ‏.‏ وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ‏)‏ الْحَالُ فِي الطَّائِرِ ‏(‏لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ‏)‏ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِمَا قَالَ لَمْ يُحْكَمْ بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ غَيْرُ غُرَابٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ فَتَعْلِيقُ الْآخَرِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ عَلَى اخْتِيَارِ شَيْخِهِ ابْنِ مَالِكٍ فِي اتِّصَالِ الضَّمِيرِ الْوَاقِعِ خَبَرَ كَانَ، وَلَكِنَّ جُمْهُورَ النُّحَاةِ عَلَى الِانْفِصَالِ ‏(‏فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا‏)‏ لَا بِعَيْنِهَا لِوُجُودِ إحْدَى الصِّفَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ، إذْ لَيْسَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَاسِطَةٌ ‏(‏وَلَزِمَهُ‏)‏ مَعَ الِاعْتِزَالِ عَنْهُمَا إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحَةِ بِغَيْرِهَا ‏(‏الْبَحْثُ‏)‏ عَنْ الطَّائِرِ ‏(‏وَالْبَيَانُ‏)‏ لِزَوْجَتِهِ إنْ أَمْكَنَ وَاتَّضَحَ لَهُ حَالُ الطَّائِرِ لِيَعْلَمَ الْمُطَلَّقَةَ دُونَ غَيْرِهَا، فَإِنْ طَارَ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَلْزَمْهُ بَحْثٌ وَلَا بَيَانٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، وَفِي الرَّجْعِيَّةِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْبَيَانِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ ‏(‏وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا‏)‏ كَأَنْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ وَحْدَهَا، أَوْ نَوَاهَا بِقَوْلِهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ‏(‏ثُمَّ جَهِلَهَا‏)‏ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏وُقِفَ‏)‏ وُجُوبًا أَمْرُهُ عَنْهُمَا مِنْ قُرْبَانٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏حَتَّى يَذَّكَّرَ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا ضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ، أَيْ يَتَذَكَّرَ الْمُطَلَّقَةَ بِأَنْ يَعْرِفَهَا، وَالْجَهْلُ الْمُقَارِنُ لِلطَّلَاقِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ فِي ظُلْمَةٍ كَذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ ثُمَّ بِالْوَاوِ كَانَ أَعَمَّ ‏(‏وَلَا يُطَالَبُ‏)‏ الزَّوْجُ ‏(‏بِبَيَانٍ‏)‏ لِلْمُطَلَّقَةِ ‏(‏إنْ صَدَّقَتَاهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجَتَانِ ‏(‏فِي الْجَهْلِ‏)‏ بِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، فَإِنْ كَذَّبَتَاهُ وَبَادَرَتْ وَاحِدَةٌ وَقَالَتْ‏:‏ أَنَا الْمُطَلَّقَةُ لَمْ يَقْنَعْ مِنْهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ نَسِيت أَوْ لَا أَدْرِي، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ مُحْتَمِلًا بَلْ يُطَالَبُ بِيَمِينٍ جَازِمَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَقَضَى بِطَلَاقِهَا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَوْ ادَّعَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يَعْلَمُ الَّتِي عَنَاهَا بِالطَّلَاقِ، وَسَأَلَتْ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ تَقُلْ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ يَعْلَمُ الْمُطَلَّقَةَ، فَالْوَجْهُ قَبُولُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَتَحْلِيفُهُ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَالَ قَصَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ لَهَا‏)‏ أَيْ لِزَوْجَتِهِ ‏(‏وَلِأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَالَ‏:‏ قَصَدْتُ‏)‏ بِالطَّلَاقِ ‏(‏الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ‏)‏ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَهُمَا مُحْتَمِلَةٌ لِهَذِهِ وَلِهَذِهِ، فَإِذَا قَالَ‏:‏ عَيَّنْتُهَا صَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُقْبَلُ وَتَطْلُقُ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الطَّلَاقِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْقَصْدِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ قَوْلُهُ قَصَدْتُ الْأَجْنَبِيَّةَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ، وَهُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِيمَا إذَا لَمْ يَصْدُرْ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ طَلَاقٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ صَادِقٌ عَلَيْهِمَا صِدْقًا وَاحِدًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْعِتْقِ، أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ وَلِعَبْدٍ آخَرَ‏:‏ أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ عِتْقَ الْآخَرِ ا هـ‏.‏ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَلِأَجْنَبِيَّةٍ عَمَّا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَلِرَجُلٍ أَوْ دَابَّةٍ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت الرَّجُلَ أَوْ الدَّابَّةَ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَأَمَتُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَفَاسِدَةُ النِّكَاحِ مَعَ صَحِيحَتِهِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الزَّوْجَةِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ فَعَلْت كَذَا فَإِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، ثُمَّ فَعَلَهُ بَعْدَ مَوْتِ إحْدَاهُمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الْبَاقِيَةِ لِتَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لَهَا‏.‏ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْهِ‏:‏ أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْعِتْقُ فِي الْحَيِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ‏:‏ ابْنَتُك طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقَهَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُهِمَّاتِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَقَالَ قَصَدْتُ أَجْنَبِيَّةً فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَإِحْدَاهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ فِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى، وَالتَّعْيِينُ فِي الثَّانِيَةِ، وَتُعْزَلَانِ عَنْهُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ، وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ بِهِمَا، وَنَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ اسْمُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ وَ ‏(‏قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ‏)‏ وَلَمْ يَرْفَعْ فِي نَسَبِهَا مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ ‏(‏وَقَالَ‏)‏ لَمْ أَقْصِدْ زَوْجَتِي بَلْ ‏(‏قَصَدْتُ أَجْنَبِيَّةً‏)‏ اسْمُهَا زَيْنَبُ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُقْبَلُ ظَاهِرًا ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ قَبْلَهَا وَاسْمُهَا زَيْنَبُ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتْ‏.‏ وَقَالَ أَرَدْتُهَا‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يُقْبَلُ بِيَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ كَمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ إحْدَاكُمَا يَتَنَاوَلُهُمَا تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِاسْمِ زَوْجَتِهِ وَلَا وَصْفٌ لَهَا وَلَا إشَارَةٌ بِالطَّلَاقِ، وَهُنَا صَرَّحَ بِاسْمِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَأُخْرَى نِكَاحًا فَاسِدًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا اسْمُهَا زَيْنَبُ وَقَالَ‏:‏ زَيْنَبُ طَالِقٌ، وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت فَاسِدَةَ النِّكَاحِ قُبِلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُقْرِي، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَسَادَ نِكَاحِهَا وَإِلَّا فَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ ‏(‏وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ‏:‏ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏طَلُقَتْ‏)‏ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِذَا صَرَفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى وَاحِدَةٍ انْصَرَفَ وَصَارَ اللَّفْظُ كَالنَّصِّ فِي التَّعْيِينِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ مُعَيَّنَةً بَلْ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا أَوْ قَصَدَهُمَا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ‏(‏فَإِحْدَاهُمَا‏)‏ أَيْ زَوْجَتَيْهِ تَطْلُقُ، وَلَا يَدْرِي الْآنَ مَنْ هِيَ ‏(‏وَيَلْزَمُهُ‏)‏ بَعْدَ طَلَبِ الزَّوْجَتَيْنِ‏:‏ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ إحْدَاهُمَا كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ ‏(‏الْبَيَانُ‏)‏ لِلْمُطَلَّقَةِ ‏(‏فِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى‏)‏ وَهِيَ قَصْدُ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ ‏(‏وَالتَّعْيِينُ‏)‏ فَوْرًا ‏(‏فِي‏)‏ الْحَالَةِ ‏(‏الثَّانِيَةِ‏)‏ وَهِيَ قَصْدُ وَاحِدَةٍ مُبْهَمَةٍ لِتُعْلَمَ الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا فَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْفِرَاقِ ‏(‏وَتُعْزَلَانِ‏)‏ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ بِخَطِّهِ فَالضَّمِيرِ لِزَوْجَتَيْهِ، وَيَسْتَمِرُّ انْعِزَالُهُمَا ‏(‏عَنْهُ إلَى الْبَيَانِ‏)‏ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ‏(‏أَوْ التَّعْيِينِ‏)‏ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لِاخْتِلَاطِ الْمَحْظُورِ بِالْمُبَاحِ ‏(‏وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ بِهِمَا‏)‏ أَيْ الْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ لِرَفْعِهِ حَبْسَهُ عَمَّنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا، فَلَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ عَصَى وَعُزِّرَ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَمْهَلَ لَمْ يُمْهَلْ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ يُمْهَلُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا عَيَّنَ وَلَمْ يَدَّعِ نِسْيَانًا، إذْ لَا وَجْهَ لِلْإِمْهَالِ حِينَئِذٍ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا أَبْهَمَ أَوْ عَيَّنَ وَادَّعَى أَنَّهُ نَسِيَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ هَذَا فِي الطَّلَاقِ الْبَائِنِ، أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهِ بَيَانٌ وَلَا تَعْيِينٌ فِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهَا لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَزِمَهُ فِي الْحَالِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ وَانْتِفَاءِ الزَّوْجِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، أَمَّا إذَا لَمْ تَطْلُبْ الزَّوْجَتَانِ وَلَا إحْدَاهُمَا فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِهِ قَبْلَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الِانْعِزَالُ وَقَدْ أَوْجَبْنَاهُ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَيْهِ أَيْضًا ‏(‏نَفَقَتُهُمَا فِي الْحَالِ‏)‏ إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ لِحَبْسِهِمَا عِنْدَهُ حَبْسَ الزَّوْجَاتِ، وَسَوَاءٌ أَقَصَّرَ فِي تَأْخِيرِ ذَلِكَ أَمْ لَا كَأَنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ وَلَا يَرُدُّ الْمَصْرُوفَ إلَى الْمُطَلَّقَةِ إذَا بَيَّنَ أَوْ عَيَّنَ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَهُوَ مِنْ النَّوَادِرَ فَإِنَّهَا نَفَقَةٌ لِبَائِنٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ فِي الْحَالِ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ الرَّوْضَةُ وَأَصْلُهَا‏.‏ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ‏:‏ وَلَمْ أَفْهَمْ مَا أَرَادَ بِهِ‏.‏ وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُؤَخَّرُ إلَى الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ، فَعِنْدَ التَّعْيِينِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بَيَانًا وَلَا تَعْيِينًا، وَقِيلَ تَعْيِينٌ، وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى وَاحِدَةٍ‏:‏ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَبَيَانٌ، أَوْ أَرَدْت هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا، وَلَوْ مَاتَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ بَيَانٍ وَتَعْيِينٍ بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ لِبَيَانِ الْإِرْثِ، وَلَوْ مَاتَ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ لَا تَعْيِينِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَقَعُ الطَّلَاقُ‏)‏ فِي الْمُعَيَّنَةِ الْمُبَيَّنَةِ ‏(‏بِاللَّفْظِ‏)‏ جَزْمًا، وَفِي الْمُبْهَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِهِ وَنَجَّزَهُ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَّا أَنَّ مَحَلَّهُ غَيْرُ مُبَيَّنٍ، أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيُؤْمَرُ بِالتَّبْيِينِ أَوْ التَّعْيِينِ، لَكِنْ عِدَّةُ الْمُعَيَّنِ مِنْ اللَّفْظِ، وَالْمُبْهَمِ مِنْ التَّعْيِينِ لِتَعْيِينِ الْمَحَلِّ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَتَأَخَّرَ الْعِدَّةُ عَنْ وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ كَمَا تَجِبُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالْوَطْءِ وَتُحْسَبُ مِنْ التَّفْرِيقِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ‏)‏ الْمُبْهَمَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثُمَّ عَيَّنَهَا ‏(‏فَعِنْدَ التَّعْيِينِ‏)‏ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ قَبْلَهُ لَوَقَعَ لَا فِي مَحَلٍّ، وَالطَّلَاقُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُمَا إلَى التَّعْيِينِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْلَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُمَا ‏(‏وَالْوَطْءُ‏)‏ لِإِحْدَاهُمَا ‏(‏لَيْسَ بَيَانًا‏)‏ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْأُخْرَى ‏(‏وَلَا تَعْيِينًا‏)‏ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطَأَ الْمُطَلَّقَةَ؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ ابْتِدَاءً فَلَا يَتَدَارَكُ بِهِ وَلِذَلِكَ لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ الْوَطْءُ ‏(‏تَعْيِينٌ‏)‏ لِلطَّلَاقِ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَقَالَ فِي التَّنْبِيهِ‏:‏ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالْبَيَانِ وَالتَّعْيِينِ، فَإِنْ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي الْمَوْطُوءَةِ وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَزِمَهُ الْحَدُّ لِاعْتِرَافِهِ بِوَطْءِ أَجْنَبِيَّةٍ بِلَا شُبْهَةٍ، وَلَهَا الْمَهْرُ لِجَهْلِهَا بِأَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ لَا حَدَّ بِوَطْئِهِ لَهَا وَإِنْ بَيَّنَ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ قَبْلُ، فَإِنْ ادَّعَتْ الْمَوْطُوءَةُ أَنَّهُ نَوَاهَا وَنَكَلَ حَلَفَتْ وَلَزِمَهُ لَهُمَا الْمَهْرُ، وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ثَبَتَ بِظَاهِرِ الْيَمِينِ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ لِلطَّلَاقِ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا لِمَا مَرَّ‏.‏ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ وَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِأَنَّهُ يُحَدُّ كَمَا فِي الْأُولَى لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَهُ لِلْمَوْطُوءَةِ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ فِيمَا إذَا طُلِبَ مِنْهُ بَيَانُ مُطَلَّقَةٍ مُعَيَّنَةٍ نَوَاهَا ‏(‏مُشِيرًا إلَى وَاحِدَةٍ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَبَيَانٌ‏)‏ لَهَا؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ الْإِرَادَةِ السَّابِقَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، أَوْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ، أَوْ لَمْ أُطَلِّقْ هَذِهِ، فَبَيَانٌ أَنَّ غَيْرَهَا الْمُطَلَّقَةُ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ مُشِيرًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏أَرَدْت هَذِهِ وَهَذِهِ‏)‏ أَوْ هَذِهِ هَذِهِ، أَوْ هَذِهِ مَعَ هَذِهِ ‏(‏أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا‏)‏ ظَاهِرًا لِإِقْرَارِهِ بِهِ بِمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِطَلَاقِ الْأُولَى ثُمَّ رَجَعَ وَأَقَرَّ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِطَلَاقِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقِّ غَيْرِهِ عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَالْمُطَلَّقَةُ مَنْ نَوَاهَا فَقَطْ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُمَا لَا يُطَلَّقَانِ، إذْ لَا وَجْهَ لِحَمْلِ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَمْثِيلُ الْمُصَنِّفِ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ وَبَلْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْعَاطِفِ لِلْجَمْعِ أَوْ لِلْإِضْرَابِ وَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الْإِضْرَابُ عَنْ الْأُولَى، فَإِنْ أَتَى بِثُمَّ أَوْ الْفَاءِ كَهَذِهِ ثُمَّ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَهَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِ الْأُولَى فَقَطْ لِفَصْلِ الثَّانِيَةِ بِالتَّرْتِيبِ فَلَمْ يَبْقَى لَهَا شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ اسْتَمَرَّ الْإِشْكَالُ، أَوْ قَالَ‏:‏ هَذِهِ بَعْدَهَا هَذِهِ، أَوْ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ، فَالْمُشَارِ إلَيْهَا أَوَّلًا، أَوْ هَذِهِ بَعْدَ هَذِهِ، فَالْمُشَارُ إلَيْهَا ثَانِيًا هِيَ الْمُطَلَّقَةُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ‏.‏ أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَتَطْلُقُ الْمَنْوِيَّةُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا وَهَذَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَيَّنِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَيْضًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَبَيَانٌ‏.‏ أَمَّا الطَّلَاقُ الْمُبْهَمُ فَالْمُطَلَّقَةُ هِيَ الْأُولَى، سَوَاءٌ أَعَطَفَ بِالْوَاوِ أَمْ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ اخْتِيَارٍ وَلَيْسَ بِإِخْبَارٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ فَيَلْغُو ذِكْرُ اخْتِيَارِ غَيْرِهَا ‏(‏وَلَوْ مَاتَتَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَتَانِ ‏(‏أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ بَيَانٍ‏)‏ لِلْمُعَيَّنَةِ ‏(‏وَتَعْيِينٍ‏)‏ لِلْمُبْهَمَةِ وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ ‏(‏بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمُطَلِّقِ بِالْبَيَانِ جَزْمًا، وَالتَّعْيِينُ عَلَى الْمَذْهَبِ ‏(‏لِبَيَانِ‏)‏ حَالِ ‏(‏الْإِرْثِ‏)‏ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إرْثُهُ فِي إحْدَاهُمَا بِيَقِينٍ فَيُوقَفُ مِنْ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ الْمَيِّتَةِ نَصِيبُ الزَّوْجِ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ الْإِرْثِ، فَإِذَا بَيَّنَ أَوْ عَيَّنَ لَمْ يَرِثْ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ وَيَرِثُ مِنْ الْأُخْرَى، ثُمَّ إنْ نَوَى مُعَيَّنَةً فَبَيَّنَ فِي وَاحِدَةٍ فَلِوَرَثَةِ الْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفُوا وَلَمْ يَرِثْ مِنْهَا كَمَا لَا يَرِثُ مِنْ الْأُولَى أَيْضًا إذَا كَانَتْ مَيِّتَةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، وَإِنْ حَلَفَ طَالَبُوهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا طَالَبُوهُ بِنِصْفِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ؛ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِمْ الْمَذْكُورِ يُنْكِرُونَ اسْتِحْقَاقَ النِّصْفِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يُطَالِبُونَهُ بِكُلِّهِ لِاعْتِرَافِهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْمُبْهَمِ فَلَا اعْتِرَاضَ لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَرَثَةُ الْمُطَلَّقَةِ فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ وَقَدْ أَقَرُّوا لَهُ بِإِرْثٍ لَا يَدَّعِيه وَادَّعَوْا عَلَيْهِ مَهْرًا اسْتَقَرَّ بِالْمَوْتِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ‏(‏وَلَوْ مَاتَ‏)‏ الْمُطَلِّقُ قَبْلَ الْبَيَانِ أَوْ التَّعْيِينِ ‏(‏فَالْأَظْهَرُ قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ، لَا‏)‏ قَبُولُ ‏(‏تَعْيِينِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْبَيَانَ إخْبَارٌ وَقَدْ يَقِفُ عَلَى مُرَادِ مُوَرِّثِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَالتَّعْيِينُ اخْتِيَارُ شَهْوَةٍ فَلَمْ يَخْلُفْهُ فِيهِ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا كَمَا يَخْلُفُهُ فِي حُقُوقٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَاسْتِلْحَاقِ النَّسَبِ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ الْمَنْعُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ النِّكَاحِ لَا تُورَثُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ مَاتَتَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَهُ وَالْأُخْرَى بَعْدَهُ، أَوْ لَمْ تَمُتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، أَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فُلَانَةُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا إنْ مَاتَ قَبْلَ الزَّوْجَتَيْنِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَتَا قَبْلَهُ، وَلَوْ مَاتَ بَعْدَهُمَا فَبَيَّنَ الْوَارِثُ وَاحِدَةً فَلِوَرَثَةِ الْأُخْرَى تَحْلِيفُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ مُوَرِّثَتَهُمْ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ وَجُهِلَ مُنِعَ مِنْهُمَا إلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ، بَلْ يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ، فَإِنْ قَرَعَ عَتَقَ، أَوْ قَرَعَتْ لَمْ تَطْلُقْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرِقُّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْإِبْهَامِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ كَانَ‏)‏ هَذَا الطَّائِرُ ‏(‏غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْهُ ‏(‏فَعَبْدِي حُرٌّ وَجُهِلَ‏)‏ حَالُ الطَّائِرِ وَصَدَّقَاهُ أَوْ كَذَّبَاهُ وَحَلَفَ ‏(‏مُنِعَ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ بِالْعَبْدِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا، فَأَشْبَهَ طَلَاقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ ‏(‏إلَى الْبَيَانِ‏)‏ لِتَوَقُّعِهِ وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَكَذَا الْعَبْدُ حَيْثُ لَا كَسْبَ لَهُ، وَلَوْ اعْتَرَفَ بِطَلَاقِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَبْدُ فَذَاكَ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ وَادَّعَى الْعِتْقَ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْعَبْدُ وَحُكِمَ بِعِتْقِهِ وَالطَّلَاقِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْعِتْقِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فَلَا يَمِينَ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ حَلَفَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وَحُكِمَ بِطَلَاقِهَا وَالْعِتْقِ ‏(‏فَإِنْ مَاتَ‏)‏ قَبْلَ بَيَانِهِ ‏(‏لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُ الْوَارِثِ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِلتُّهْمَةِ فِي إخْبَارِهِ بِالْحِنْثِ فِي الطَّلَاقِ لِيَرِقَّ الْعَبْدُ وَيَسْقُطَ إرْثُ الزَّوْجَةِ‏.‏ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَا الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ السَّرَخْسِيُّ‏:‏ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْوَارِثُ‏:‏ حَنِثَ فِي الزَّوْجَةِ، فَإِنْ عَكَسَ قُبِلَ قَطْعًا لِإِضْرَارِهِ بِنَفْسِهِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَهُوَ حَسَنٌ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ قَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ السَّرَخْسِيِّ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ لَيْسَ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ مُتَعَيَّنًا فَإِنَّ الْقُرْعَةَ دَاخِلَةٌ وَلِلْعَبْدِ بِهَا حَقٌّ فِي الْعِتْقِ وَلِلْمَيِّتِ حَقٌّ فِي رِقِّهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُوَفَّى مِنْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَارِثِ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ‏.‏ ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ ‏(‏بَلْ يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ ‏)‏ فَلَعَلَّ الْقُرْعَةَ تَخْرُجُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْعِتْقِ دُونَ الطَّلَاقِ ‏(‏فَإِنْ قَرَعَ‏)‏ الْعَبْدُ بِأَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ ‏(‏عَتَقَ‏)‏ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ إذْ هُوَ فَائِدَةُ، وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ إلَّا إذَا ادَّعَتْ الْحِنْثَ فِيهَا وَالطَّلَاقُ بَائِنٌ ‏(‏أَوْ قَرَعَتْ‏)‏ أَيْ الْمَرْأَةُ بِأَنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهَا ‏(‏لَمْ تَطْلُقْ‏)‏ إذْ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا تَدْخُلُ الْقُرْعَةُ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِهَا فِيهِ، وَلَكِنَّ الْوَرَعَ أَنْ يَتْرُكَ الْمِيرَاثَ لِلْوَرَثَةِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدَ ‏(‏لَا يَرِقُّ‏)‏ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ بِخَطِّهِ وَصَحَّحَ عَلَيْهِ بَلْ يَبْقَى عَلَى إبْهَامِهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَمْ تُؤَثِّرْ فِيمَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَرِقُّ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ تَعْمَلُ فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ، فَكَمَا يَعْتِقُ إذَا خَرَجَتْ عَلَيْهِ يَرِقُّ إذَا خَرَجَتْ عَلَى عَدِيلِهِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي عَدِيلِهِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ والْبِدْعِيّ‏]‏

المتن‏:‏

الطَّلَاقُ‏:‏ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ، وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ، وَهُوَ ضَرْبَانِ‏:‏ طَلَاقٌ فِي حَيْضٍ مَمْسُوسَةٍ، وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ لَمْ يَحْرُمْ، وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ لَا أَجْنَبِيٍّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ مَعَ آخِرِ طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهِ، وَفِيهِ اصْطِلَاحَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَضْبَطُ يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ ‏(‏الطَّلَاقُ‏:‏ سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ‏)‏ وَثَانِيهِمَا، وَهُوَ أَشْهَرُ يَنْقَسِمُ إلَى سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ، وَلَا وَلَا، فَإِنَّ طَلَاقَ الصَّغِيرِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ وَاَلَّتِي اسْتَبَانَ حَمْلُهَا مِنْهُ وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا سُنَّةَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَسَّمَ جَمْعٌ الطَّلَاقَ إلَى وَاجِبٍ كَطَلَاقِ الْمَوْلَى وَطَلَاقِ الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ إذَا رَأَيَاهُ، وَمَنْدُوبٍ كَطَلَاقِ زَوْجَةٍ حَالُهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ كَسَيِّئَةِ الْخُلُقِ، أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَفِيفَةٍ، وَمَكْرُوهٍ كَمُسْتَقِيمَةِ الْحَالِ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إلَى الْمُبَاحِ بِطَلَاقِ مَنْ لَا يَهْوَاهَا وَلَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمَؤُونَتِهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِمْتَاعٍ بِهَا، وَحَرَامٍ كَطَلَاقِ الْبِدْعِيِّ كَمَا قَالَ ‏(‏وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ‏)‏ لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏وَهُوَ ضَرْبَانِ‏)‏ أَحَدُهُمَا ‏(‏طَلَاقٌ‏)‏ مِنْ شَخْصٍ ‏(‏فِي حَيْضٍ مَمْسُوسَةٍ‏)‏ أَيْ مَوْطُوءَةٍ وَلَوْ فِي الدُّبُرِ، وَمِثْلُهَا مَنْ اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَلَوْ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، وَهَذِهِ الْغَايَةُ إنَّمَا تَأْتِي عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ، هُوَ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَأْنِفُ‏.‏ أَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَطْوِيلَ عَلَيْهَا، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْبَكْرِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، وَحُرْمَةُ هَذَا لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَشْرَعْنَ فِيهِ فِي الْعِدَّةِ، وَزَمَنُ الْحَيْضِ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ تَضَرُّرُهَا بِطُولِ الْعِدَّةِ، فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ لَا تُحْسَبُ مِنْهَا، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ لِشُمُولِ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمِ لَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا وَإِنْ خَالَفَا ذَلِكَ فِي بَابِ الْحَيْضِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ ابْتَدَأَ طَلَاقَهَا فِي حَالِ حَيْضِهَا وَلَمْ يُكْمِلْهُ حَتَّى طَهُرَتْ فَيَكُونُ بِدْعِيًّا، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ أَوْ فِي آخِرِ حَيْضِكِ فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ‏:‏ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا الْحَامِلُ إذَا حَاضَتْ فَلَا يَحْرُمُ طَلَاقُهَا كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْوَضْعِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَقَالَ لَهَا سَيِّدُهَا‏:‏ إنْ طَلَّقَك الزَّوْجُ الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَسَأَلَتْ الزَّوْجَ الطَّلَاقَ لِأَجْلِ الْعِتْقِ فَطَلَّقَهَا لَمْ يَحْرُمْ، فَإِنَّ دَوَامَ الرِّقِّ أَضُرُّ بِهَا مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَقَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يَمُوتُ فَيَدُومُ أَسْرُهَا بِالرِّقِّ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَهُوَ حَسَنٌ‏.‏

وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَلَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِبِدْعِيٍّ‏.‏

وَمِنْهَا طَلَاقُ الْحَكَمَيْنِ فِي صُورَةِ الشِّقَاقِ، وَمِنْهَا طَلَاقُ الْمَوْلَى إذَا طُولِبَ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ‏.‏

وَمِنْهَا مَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ طَلْقَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ثَانِيَةً، وَالْمُرَادُ مِنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ الْمُنَجَّزُ، فَلَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ دَارٍ مَثَلًا فَلَيْسَ بِبِدْعِيٍّ، لَكِنْ يُنْظَرُ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ، فَإِنْ وُجِدَ فِي حَالِ الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ وَإِلَّا فَبِدْعِيٌّ، لَكِنْ لَا إثْمَ فِيهِ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بِاخْتِيَارِهِ أَثِمَ بِإِيقَاعِهِ فِي الْحَيْضِ كَإِنْشَائِهِ الطَّلَاقَ فِيهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ ‏(‏وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ‏)‏ زَوْجَتُهُ طَلَاقَهَا فِي حَيْضِهَا ‏(‏لَمْ يَحْرُمْ‏)‏ لِرِضَاهَا بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَالْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَنْكَرَ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَمْ يَسْتَفْصِلْ، وَلَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِاخْتِيَارِهَا فَأَتَتْ بِهِ فِي حَالِ الْحَيْضِ مُخْتَارَةً‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا، أَيْ فَيَحْرُمُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ‏(‏وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ‏)‏ أَيْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏}‏ وَلِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ حَيْثُ افْتَدَتْ بِالْمَالِ‏.‏ وَلَيْسَ هَذَا بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ كَمَا مَرَّ ‏(‏لَا أَجْنَبِيٍّ‏)‏ فَلَا يَجُوزُ خُلْعُهُ فِي الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ وُجْدَانَ حَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ بِالْمُفَارَقَةِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ لَا وَجْهٌ مُحَقَّقٌ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ الْإِمَامَ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إنَّمَا بَذَلَ لِحَاجَتِهَا إلَى الْخَلَاصِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ أَذِنَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَخْتَلِعَهَا يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ بِمَالِهَا فَكَاخْتِلَاعِهَا وَإِلَّا فَهُوَ كَاخْتِلَاعِهِ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ‏)‏ أَوْ فِي ‏(‏آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِاسْتِعْقَابِهِ الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ، وَالثَّانِي‏:‏ بِدْعِيٌّ لِمُصَادَفَتِهِ الْحَيْضَ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏مَعَ‏)‏ أَوْ فِي ‏(‏آخِرِ طُهْرٍ‏)‏ عَيَّنَهُ ‏(‏لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ الْمَنْصُوصِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِدَّةَ، وَالثَّانِي‏:‏ سُنِّيٌّ لِمُصَادَفَتِهِ الطُّهْرَ‏.‏

المتن‏:‏

وَطَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ مَنْ قَدْ تَحْبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحِلُّ خُلْعُهَا، وَطَلَاقُ مَنْ ظَهَرَ، حَمْلُهَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ الضَّرْبُ الثَّانِي لِلْبِدْعِيِّ ‏(‏طَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ‏)‏ فِي قُبُلٍ، وَكَذَا فِي دُبُرٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّ اسْتِدْخَالَهَا مَاءَهُ أَيْ الْمُحْتَرَمَ كَالْوَطْءِ وَنَائِبُ فَاعِلِ وَطِئَ قَوْلُهُ ‏(‏مَنْ قَدْ تَحْبَلُ‏)‏ لِعَدَمِ صِغَرِهَا وَيَأْسِهَا ‏(‏وَ‏)‏ الْحَالُ أَنَّهُ ‏(‏لَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ‏)‏ مِنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَنْدَمُ لَوْ ظَهَرَ حَمْلٌ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُطَلِّقُ الْحَائِلَ دُونَ الْحَامِلِ، وَعِنْدَ النَّدَمِ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ فَيَتَضَرَّرُ الْوَلَدُ، وَخَرَجَ بِمَنْ قَدْ تَحْبَلُ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ فَإِنَّهُ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهِمَا كَمَا مَرَّ، وَبِلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ مَا لَوْ ظَهَرَ وَسَيَذْكُرُهُ، وَاسْتِدْخَالُهَا مَاءَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَالْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ الْحَمْلِ مِنْهُ، وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ضَرْبٍ ثَالِثٍ لِلْبِدْعِيِّ مَذْكُورٍ فِي الرَّوْضَةِ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ وَقَسَمَ لِإِحْدَاهُمَا ثُمَّ طَلَّقَ الْأُخْرَى قَبْلَ الْمَبِيتِ عِنْدَهَا، وَلَوْ نَكَحَ حَامِلًا مِنْ زِنًا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا نَظَرَ إنْ لَمْ تَحِضْ فَبِدْعِيٌّ؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ وَالنِّفَاسِ، وَإِلَّا فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي الطُّهْرِ فَسُنِّيٌّ، أَوْ فِي الْحَيْضِ فَبِدْعِيٌّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ‏.‏ وَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ إذَا حَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَاهِرًا فَإِنَّهُ بِدْعِيٌّ ‏(‏فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِاحْتِمَالِ عُلُوقِهَا بِذَلِكَ، وَالثَّانِي‏:‏ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ تُشْعِرُ بِالْبَرَاءَةِ، وَدَفَعَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْبَقِيَّةُ مِمَّا دَفَعَتْهُ الطَّبِيعَةُ أَوَّلًا وَهَيَّأَتْهُ لِلْخُرُوجِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فِي الطُّهْرِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ ‏(‏وَ‏)‏ الْمَوْطُوءَةُ فِي الطُّهْرِ ‏(‏يَحِلُّ خُلْعُهَا‏)‏ كَالْحَائِضِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَيُسْتَثْنَى حِينَئِذٍ مِنْ تَحْرِيمِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ يَحِلُّ ‏(‏طَلَاقُ مَنْ ظَهَرَ حَمْلُهَا‏)‏ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ؛ لِأَنَّ بِأَخْذِ الْعِوَضِ وَظُهُورِ الْحَمْلِ يَنْعَدِمُ احْتِمَالُ النَّدَمِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ عُلِمَ طَلَاقُ الْبِدْعِيِّ وَطَلَاقُ غَيْرِ الْبِدْعِيِّ وَالسُّنِّيِّ‏.‏ وَأَمَّا الطَّلَاقُ السُّنِّيُّ فَهُوَ طَلَاقُ مَدْخُولٍ بِهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَلَا فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ، وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَلَا صَغِيرَةٍ وَلَا آيِسَةٍ، وَهِيَ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، وَذَلِكَ لِاسْتِعْقَابِهَا الشُّرُوعَ فِي الْعِدَّةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ طُهْرٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَنْ طَلَّقَ‏)‏ طَلَاقًا ‏(‏بِدْعِيًّا‏)‏ وَلَمْ يَسْتَوْفِ عَدَدَ الطَّلَاقِ ‏(‏سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ‏)‏ مَا لَمْ يَدْخُلْ الطُّهْرُ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ إنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ‏.‏ أَمَّا إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ فَإِلَى آخِرِ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونَ فِي تَصْحِيحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ بَعْدَ الرَّجْعَةِ ‏(‏إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ‏)‏ تَمَامِ ‏(‏طُهْرٍ‏)‏ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا‏}‏ أَيْ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا إنْ أَرَادَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِوُجُوبِ الرَّجْعَةِ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ أَبَاهُ أَنْ يَأْمُرَهُ، وَالْأَمْرُ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ‏}‏ كَذَا قَالُوهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَوْلُهُ‏:‏ فَلْيُرَاجِعْهَا أَمْرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فَلْيُرَاجِعْهَا لِأَجْلِ أَمْرِكَ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِ الْوَالِدِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ‏:‏ أَنَّ تَرْكَ الرَّجْعَةِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ‏.‏ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ فِيهَا وَلِدَفْعِ الْإِيذَاءِ ا هـ‏.‏ وَرُدَّ الِاسْتِنَادُ إلَى الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَا نَهْيَ فِيهِ، وَإِذَا رَاجَعَ فَهَلْ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ‏؟‏ حَكَى الْمُصَنِّفُ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْأَثِمَ يَرْتَفِعُ وَاسْتَظْهَرَهُ، وَإِذَا رَاجَعَ وَالْبِدْعَةُ لِحَيْضٍ، فَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ مِنْهُ لِئَلَّا يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ الرَّجْعَةِ مُجَرَّدَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ لِطُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَبْنِ حَمْلُهَا وَوَطِئَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِطَلَاقِهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ الطُّهْرِ أَوْ رَاجَعَهَا فِيهِ وَلَمْ يَطَأَهَا سُنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الطُّهْرِ الثَّانِي؛ لِئَلَّا تَكُونَ الرَّجْعَةُ لِلطَّلَاقِ، وَهَذَا فِيمَنْ طَلَّقَ غَيْرَ مَنْ لَمْ تَسْتَوْفِ دَوْرَهَا مِنْ الْقَسْمِ، بِخِلَافِ مَنْ طَلَّقَ هَذِهِ لِلُزُومِ الرَّجْعَةِ لَهُ لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا، كَذَا قِيلَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ فِي مَعْنَى النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَجِبُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ أَوْ لِلسُّنَّةِ فَحِينَ تَطْهُرُ، أَوْ لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ مُسَّتْ فِيهِ فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ، أَوْ لِلْبِدْعَةِ فَفِي الْحَالِ إنْ مُسَّتْ فِيهِ، وَإِلَّا فَحِينَ تَحِيضُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ لِحَائِضٍ‏)‏ مَمْسُوسَةٍ أَوْ نُفَسَاءَ ‏(‏أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ‏)‏ الطَّلَاقُ ‏(‏فِي الْحَالِ‏)‏ وَإِنْ كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ لِاتِّصَافِ طَلَاقِهَا بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لِحَائِضٍ لَمْ يَطَأْهَا فِي ذَلِكَ الْحَيْضِ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏لِلسُّنَّةِ فَحِينَ‏)‏ أَيْ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حِينَ ‏(‏تَطْهُرُ‏)‏ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ بِأَنْ تَشْرَعَ فِي الطُّهْرِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاغْتِسَالِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ قَبْلَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا بُدَّ مِنْ الِانْقِطَاعِ مِنْ شُرُوعِهَا فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقِ، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي آخِرِ الْحَيْضِ وَاسْتَدَامَ إلَى انْقِطَاعِهِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ لِاقْتِرَانِ الطُّهْرِ بِالْجِمَاعِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَسْتَدِمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا وَطَهُرَتْ فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فِي دَوَامِ زَوْجِيَّتِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ فِيهِ لِأَنَّهُ بِدْعِيٌّ بَلْ يَتَأَخَّرُ وُقُوعُهُ إلَى طُهْرٍ تَشْرَعُ فِيهِ فِي عِدَّتِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ‏)‏ بِوَطْءٍ مِنْهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا ‏(‏أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ‏)‏ لِوُجُودِ الصِّفَةِ ‏(‏وَإِنْ مُسَّتْ‏)‏ بِوَطْءٍ مِنْهُ ‏(‏فِيهِ‏)‏ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا ‏(‏فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ‏)‏ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِشُرُوعِهَا حِينَئِذٍ فِي حَالِ السُّنَّةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ قَالَ لِمَنْ فِي طُهْرٍ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏لِلْبِدْعَةِ فَفِي الْحَالِ‏)‏ يَقَعُ الطَّلَاقُ ‏(‏إنْ مُسَّتْ فِيهِ‏)‏ أَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلُهَا لِوُجُودِ الصِّفَةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ تُمَسَّ فِي هَذَا الطُّهْرِ وَلَوْ فِي حَيْضٍ قَبْلَهُ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا ‏(‏فَحِينَ تَحِيضُ‏)‏ يَقَعُ الطَّلَاقُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِظُهُورِ أَوَّلِ الدَّمِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَمْ يَعُدْ تَبَيَّنَ أَنَّ طَلَاقَهَا لَمْ يَقَعْ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِصِدْقِ الصِّفَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَهَا حَالَتَا سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ، فَلَوْ قَالَ لِصَغِيرَةٍ مَمْسُوسَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ غَيْرِ مَمْسُوسَةٍ وَقَعَ فِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَغَا الْوَصْفُ، وَاللَّامُ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّأْقِيتِ لِعَدَمِ تَعَاقُبِ الْحَالَيْنِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ لِرِضَا زَيْدٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ فَكَالسُّنَّةِ، أَوْ طَلْقَةً قَبِيحَةٍ أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكَالْبِدْعَةِ، أَوْ سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً أَوْ حَسَنَةً قَبِيحَةً وَقَعَ فِي الْحَالِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةِ مَدْحٍ كَأَنْ ‏(‏قَالَ‏)‏ لِزَوْجَتِهِ ‏(‏أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ‏)‏ أَوْ أَفْضَلَهُ أَوْ أَعْدَلَهُ أَوْ أَكْمَلَهُ ‏(‏أَوْ أَجْمَلَهُ‏)‏ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ‏(‏فَكَالسُّنَّةِ‏)‏ أَيْ فَكَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي حَيْضٍ لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَطْهُرَ، أَوْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ، أَوْ مُسَّتْ فِيهِ وَقَعَ حِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقَ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهَا أَحْسَنُ لِسُوءِ خُلُقِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ السُّنَّةِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ ‏(‏أَوْ‏)‏ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِصِفَةِ ذَمٍّ كَأَنْتِ طَالِقٌ ‏(‏طَلْقَةً قَبِيحَةً أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ‏)‏ أَوْ أَسْمَجَهُ أَوْ أَفْضَحَهُ أَوْ أَفْظَعَهُ أَوْ أَشَرَّهُ ‏(‏أَوْ أَفْحَشَهُ‏)‏ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ‏(‏فَكَالْبِدْعَةِ‏)‏ أَيْ فَكَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي حَيْضٍ أَوْ فِي طُهْرٍ مُسَّتْ فِيهِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَحِينَ تَحِيضُ، وَلَوْ نَوَى بِذَلِكَ طَلَاقَ السُّنَّةِ لِقُبْحِهِ فِي حَقِّهَا لِحُسْنِ خُلُقِهَا، وَكَانَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ دِينَ وَلَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا لَوْ قَالَ لِذَاتِ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا، أَوْ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا بِدْعِيًّا‏.‏ وَقَالَ‏:‏ أَرَدْتُ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا يَحْتَمِلُ اللَّفْظُ صَرِيحًا، وَإِذَا تَنَافَيَا لَغَتْ النِّيَّةُ وَعُمِلَ بِاللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلَوْ خَاطَبَ بِقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مَنْ لَيْسَ طَلَاقُهَا سُنِّيًّا وَلَا بِدْعِيًّا كَالْحَامِلِ وَالْآيِسَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو ذِكْرُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اللَّامُ فِيمَا يُعْهَدُ انْتِظَارُهُ وَتَكَرُّرُهُ لِلتَّوْقِيتِ كَأَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ مِمَّنْ لَهَا سُنَّةٌ بِدْعَةٌ، وَفِيمَا لَا يُعْهَدُ انْتِظَارُهُ وَتَكَرُّرُهُ لِلتَّعْلِيلِ كَطَلَّقْتُكِ بِرِضَا زَيْدٍ أَوْ لِقُدُومِهِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ حَامِلٌ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقْدَمْ، وَإِنْ نَوَى بِهَا التَّعْلِيقَ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيُدَيَّنُ، وَلَوْ قَالَ فِي الصَّغِيرَةِ وَنَحْوِهَا‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ لِوَقْتِ الْبِدْعَةِ أَوْ لِوَقْتِ السُّنَّةِ وَنَوَى التَّعْلِيقَ قُبِلَ لِتَصْرِيحِهِ بِالْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِرِضَا زَيْدٍ أَوْ بِقُدُومِهِ تَعْلِيقٌ كَقَوْلِهِ إنْ رَضِيَ أَوْ قَدِمَ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ أَنْت طَالِقٌ لَا لِسُنَّةٍ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلْبِدْعَةِ كَقَوْلِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، وَقَوْلُهُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ أَوْ طَلْقَةَ سُنَّةٍ كَقَوْلِهِ لِلسُّنَّةِ، وَقَوْلُهُ بِدْعَةَ الطَّلَاقِ، أَوْ طَلْقَةً بِدْعِيَّةً كَقَوْلِهِ لِلْبِدْعَةِ، وَلَوْ قَالَ لِمَنْ طَلَاقُهَا بِدْعِيٌّ إنْ كُنْت فِي حَالِ سُنَّةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا طَلَاقَ وَلَا تَعْلِيقَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي حَالِ الْبِدْعَةِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا سُنِّيًّا الْآنَ أَوْ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا بِدْعِيًّا الْآنَ وَقَعَ فِي الْحَالِ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْوَقْتِ وَيَلْغُو اللَّفْظُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَأَنْتِ طَاهِرٌ، فَإِنْ قَدِمَ وَهِيَ طَاهِرٌ طَلُقَتْ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا تَطْلُقُ‏:‏ لَا فِي الْحَالِ وَلَا إذَا طَهُرَتْ ‏(‏أَوْ‏)‏ جَمَعَ فِي الطَّلَاقِ بَيْنَ صِفَتَيْ مَدْحٍ وَذَمٍّ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَأَنْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ‏(‏سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً أَوْ‏)‏ طَلْقَةً ‏(‏حَسَنَةً قَبِيحَةً‏)‏ وَهِيَ ذَاتُ أَقْرَاءٍ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لَا لِلسُّنَّةِ وَلَا لِلْبِدْعَةِ ‏(‏وَقَعَ‏)‏ الطَّلَاقُ ‏(‏فِي الْحَالِ‏)‏ وَيَلْغُو ذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ لِتَضَادِّهِمَا، فَإِنْ فَسَّرَ كُلَّ صِفَةٍ بِمَعْنَى فِي قَوْلِ سُنِّيَّةٍ بِدْعِيَّةٍ أَوْ حَسَنَةٍ قَبِيحَةٍ، فَقَالَ‏:‏ أَرَدْت حَسَنَةً مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَقَبِيحَةً مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ قَبْلُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْوُقُوعُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ وُقُوعِ الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ فَائِدَةِ تَأَخُّرِ الْوُقُوعِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا سُنَّةَ لَهَا وَلَا بِدْعَةَ كَالصَّغِيرَةِ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ ثَلَاثًا كَمَا لَوْ وَصَفَهَا كُلَّهَا بِالسُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَقْرَاءٍ طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ وَطَلْقَةً ثَالِثَةً فِي الْحَالِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ يَقْتَضِي التَّشْطِيرَ، ثُمَّ يَسْرِي، فَإِنْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت إيقَاعَ طَلْقَةٍ فِي الْحَالِ وَطَلْقَتَيْنِ فِي الْحَالِ الثَّانِي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ أَرَادَ إيقَاعَ بَعْضِ كُلِّ طَلْقَةٍ فِي الْحَالِ وَقَعَ الثَّلَاثُ فِي الْحَالِ بِطَرِيقِ التَّكْمِيلِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَسَكَتَ وَهِيَ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَوْ الْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الْحَالِ وَاحِدَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ النِّصْفِ، وَإِنَّمَا حُمِلَ فِيمَا مَرَّ عَلَى التَّشْطِيرِ لِإِضَافَةِ الْبَعْضَيْنِ إلَى الْحَالَيْنِ فَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْحَالِ أَخْذًا بِالتَّشْطِيرِ وَالتَّكْمِيلِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ‏:‏ طَلْقَةً لِلسُّنَّةِ وَطَلْقَةً لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ طَلْقَةٌ فِي الْحَالِ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ طَلْقَةٌ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَقَعَ الطَّلْقَتَانِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَصْفٌ لِلطَّلْقَتَيْنِ فِي الظَّاهِرِ فَيَلْغُو لِلتَّنَافِي، وَيَبْقَى الطَّلْقَتَانِ وَقَوْلُهُ لَهَا طَلَّقْتُك طَلَاقًا كَالثَّلْجِ أَوْ كَالنَّارِ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَيَلْغُو التَّشْبِيهُ الْمَذْكُورُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ‏:‏ إنْ قَصَدَ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ فِي الْبَيَاضِ وَبِالنَّارِ فِي الْإِضَاءَةِ طَلُقَتْ فِي زَمَنِ السُّنَّةِ أَوْ التَّشْبِيهَ بِالثَّلْجِ فِي الْبُرُودَةِ وَبِالنَّارِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْإِحْرَاقِ طَلُقَتْ فِي زَمَنِ الْبِدْعَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ‏)‏ ‏{‏لِأَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ لَمَّا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا تَبِينُ بِاللِّعَانِ‏}‏ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ‏.‏ فَلَوْ كَانَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ حَرَامًا لَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَهُ هُوَ وَمَنْ حَضَرَهُ، ‏{‏وَلِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ شَكَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ‏}‏‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثَلَاثًا وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ فَعَلَهُ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَفْتَى بِهِ آخَرُونَ ا هـ‏.‏ وَكَمَا لَا يَحْرُمُ جَمْعُهَا لَا يُكْرَهُ، وَلَكِنْ يُسَنُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ فِي الْقَرْءِ لِذَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَفِي شَهْرٍ لِذَاتِ الْأَشْهُرِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الرَّجْعَةِ أَوْ التَّجْدِيدِ إنْ نَدِمَ فَإِنْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُفَرِّقْ الطَّلْقَاتِ عَلَى الْأَيَّامِ وَيُفَرِّقْ عَلَى الْحَامِلِ طَلْقَةً فِي الْحَالِ وَيُرَاجِعْ، وَأُخْرَى بَعْدَ النِّفَاسِ، وَالثَّالِثَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ، وَقِيلَ‏:‏ يُطَلِّقُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ طَلْقَةً‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وُقُوعَ الثَّلَاثِ عِنْدَ جَمْعِهِنَّ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَئِمَّةُ، وَحَكَى عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ الشِّيعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ، وَاخْتَارَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ لَا يَعْبَأُ بِهِ فَأَفْتَى بِهِ وَاقْتَدَى بِهِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا‏:‏ ‏{‏كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ‏:‏ إنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا مَا كَانُوا فِيهِ عَلَى أَنَاةٍ فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ‏}‏ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏ أُجِيبَ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ‏:‏ إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعْتَادَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ كَانَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَصَارَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوقِعُونَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَنَفَّذَهُ عَلَيْهِمْ ‏"‏ فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ اخْتِلَافِ عَادَةِ النَّاسِ لَا عَنْ تَغَيُّرِ حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعْنَاهُ كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الَّذِي يُوقِعُونَهُ الْآنَ دَفْعَةً إنَّمَا كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يُوقِعُونَهُ وَاحِدَةً فَقَطْ، وَاعْتَمَدَ هَذَا الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ النَّجَّارِيُّ الْحَنَفِيُّ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إنَّ النَّصِّ مُشِيرٌ إلَى هَذَا مِنْ لَفْظِ الِاسْتِعْجَالِ يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ لِلنَّاسِ أَنَاةٌ، أَيْ مُهْلَةٌ فِي الطَّلَاقِ فَلَا يُوقِعُونَ إلَّا وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَاسْتَعْجَلَ النَّاسُ وَصَارُوا يُوقِعُونَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِلَّا إذَا كَانَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، كَانَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ إنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَهَكَذَا فِي الزَّمَنِ الثَّانِي قَبْلَ التَّنْفِيذِ فَمَا الَّذِي اسْتَعْجَلُوهُ‏.‏ الْجَوَابُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَرَّقَ اللَّفْظَ، فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، فَكَانُوا أَوَّلًا يَصْدُقُونَ فِي إرَادَةِ التَّأْكِيدِ لِقِلَّةِ الْخِيَانَةِ فِيهِمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَأَى تَغَيُّرَ الْأَحْوَالِ لَمْ يَقْبَلْ إرَادَةَ التَّأْكِيدِ وَأَمْضَاهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ‏:‏ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ‏.‏ وَقَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ إنَّهُ أَحْسَنُ مَحَامِلِ الْحَدِيثِ ا هـ‏.‏ وَلَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا، وَقَدْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ حَلِفًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَلِفٍ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَابْتَدَعَ بَعْضُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا، فَقَالَ‏:‏ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ عَلَى وَجْهِ الْيَمِينِ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَتَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهَذِهِ بِدْعَةٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُلْهَا أَحَدٌ مُنْذُ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى زَمَانِنَا هَذَا‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَاللَّامُ فِي الطَّلْقَاتِ لِلْعَهْدِ الشَّرْعِيِّ، وَهِيَ الثَّلَاثُ، فَلَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ عُزِّرَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يَأْثَمُ ا هـ‏.‏ وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مُلْغَاةٌ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِالتَّلَفُّظِ بِهَا شَيْءٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، وَفَسَّرَ بِتَفْرِيقِهَا عَلَى أَقْرَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُدَيَّنُ، وَيُدَيَّنُ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ لِزَوْجَتِهِ ‏(‏أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا‏)‏ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَفَسَّرَ‏)‏ الثَّلَاثَ فِي الصُّورَتَيْنِ ‏(‏بِتَفْرِيقِهَا عَلَى أَقْرَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ ظَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ تَقْتَضِي تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ، وَيَقْتَضِي لَفْظُهُ تَنْجِيزَهُ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا، وَفِي الثَّانِيَةِ‏:‏ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ طَاهِرَةً، وَحِينَ تَطْهُرُ إنْ كَانَتْ حَائِضًا، وَلَا سُنَّةَ فِي التَّفْرِيقِ ‏(‏إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ‏)‏ لِلثَّلَاثِ دَفْعَةً كَالْمَالِكِيِّ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ لَا يَقْصِدَ ارْتِكَابَ مَحْظُورٍ فِي مُعْتَقَدِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَتَبِعَهُ الْمُحَرَّرُ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ ‏(‏وَالْأَصَحُّ‏)‏ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ ‏(‏أَنَّهُ يُدَيَّنُ‏)‏ فِيمَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ اللَّفْظُ بِمَا يَدَّعِيه لَانْتَظَمَ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْبَاطِنِ إنْ كَانَ صَادِقًا بِأَنْ يُرَاجِعَهَا، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلَهَا تَمْكِينُهُ إنْ ظَنَّتْ صِدْقَهُ، فَإِنْ ظَنَّتْ كَذِبَهُ لَمْ تُمَكِّنْهُ‏.‏ وَفِي ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ لَهُ الطَّلَبُ وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ، وَإِنْ اسْتَوَى عِنْدَهَا الطَّرَفَانِ كُرِهَ لَهَا تَمْكِينُهُ، وَإِذَا صَدَّقَتْهُ وَرَآهُمَا الْحَاكِمُ مُجْتَمِعَيْنِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَالتَّدَيُّنُ لُغَةً أَنْ يَكِلَهُ إلَى دِينِهِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ‏:‏ هُوَ أَنْ لَا تَطْلُقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ صَادِقًا إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَوَاهُ غَيْرَ أَنَّا لَا نُصَدِّقُهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْمُرَادَ، وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ ‏(‏وَيُدَيَّنُ‏)‏ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏

المتن‏:‏

مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت إنْ دَخَلْت أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏مَنْ قَالَ‏)‏ لِزَوْجَتِهِ ‏(‏أَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت إنْ دَخَلْت‏)‏ الدَّارَ ‏(‏أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ‏)‏ طَلَاقَك؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَانْتَظَمَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ أَرَدْت إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُدَيَّنُ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ جُمْلَةً فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالدُّخُولِ وَبِمَشِيئَةِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ بَلْ يُخَصِّصُهُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ فَأَثَّرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ، وَشَبَّهُوهُ بِالْفَسْخِ لَمَّا كَانَ رَافِعًا لِلْحُكْمِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِاللَّفْظِ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ كَمَا يَجُوزُ بِاللَّفْظِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا يَنْفَعُهُ قَصْدُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَاطِنًا إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ حَدَثَتْ لَهُ النِّيَّةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكَلِمَةِ فَلَا حُكْمَ لَهَا، فَإِنْ أَحْدَثَهَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلِمَةِ فَوَجْهَانِ كَمَا فِي نِيَّةِ الْكِتَابَةِ وَحْدَهَا نَقَلَاهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ وَمَرَّ فِي الْكِنَايَةِ أَنَّهُ يَكْفِي‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُنَّ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا إلَّا لِقَرِينَةٍ بِأَنْ خَاصَمَتْهُ وَقَالَتْ تَزَوَّجْت فَقَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصَمَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ أَتَى الزَّوْجُ بِلَفْظٍ عَامٍّ وَأَرَادَ بَعْضَ أَفْرَادِهِ كَأَنْ ‏(‏قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ، أَوْ‏)‏ قَالَ ‏(‏كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت بَعْضَهُنَّ‏)‏ بِالنِّيَّةِ كَفُلَانَةَ وَفُلَانَةُ دُونَ فُلَانَةَ ‏(‏فَالصَّحِيحُ‏)‏ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ ‏(‏أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ‏)‏ مِنْهُ ذَلِكَ ‏(‏ظَاهِرًا‏)‏ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ مُتَنَاوَلٌ لِجَمِيعِهِنَّ، فَلَا يُمْكِنُ مِنْ ظَرْفٍ مُقْتَضَاهُ بِالنِّيَّةِ ‏(‏إلَّا لِقَرِينَةٍ‏)‏ تُشْعِرُ بِإِرَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ ‏(‏بِأَنْ‏)‏ أَيْ كَأَنْ ‏(‏خَاصَمَتْهُ‏)‏ زَوْجَتُهُ ‏(‏وَقَالَتْ‏)‏ لَهُ ‏(‏تَزَوَّجْت‏)‏ عَلَيَّ ‏(‏فَقَالَ‏)‏ لَهَا مُنْكِرًا لِذَلِكَ ‏(‏كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ‏)‏ أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ ‏(‏وَقَالَ‏:‏ أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصَمَةِ‏)‏ لِي فَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ‏.‏ وَالثَّانِي يُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَامِّ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ شَائِعٌ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَنَقَلَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَحِينَئِذٍ فَمَا رَجَّحَاهُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا الْتَزَمَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ تَصْحِيحِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَلَا يَحْسُنُ تَعْبِيرُهُ بِالصَّحِيحِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا‏:‏ إنَّهُ يُدَيَّنُ فِيهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا إذَا قَالَ‏:‏ طَالِقًا مِنْ وِثَاقِي، إنْ كَانَ حَلَّهَا مِنْهُ قَبْلُ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشْعَرَ قَوْلُهُ بَعْضَهُنَّ بِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَنْ لَهُ غَيْرُ الْمُخَاصَمَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا طَلُقَتْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا عَمْرَةَ وَلَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُهَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ النِّسَاءُ طَوَالِقُ إلَّا عَمْرَةَ وَلَا امْرَأَةَ لَهُ غَيْرُهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يُضِفْ النِّسَاءَ لِنَفْسِهِ‏.‏